jeudi 14 septembre 2017





 

المال و السياسة في تاريخ الاسلام 1 

 

Money and Politics in Islamic History I 

 
كتبها زكرياء الزوادي                                                                                         By zakaria zouadi 


يضل معالجة قضايا تاريخ الاقتصاد السياسي في تاريخ الإسلام من الأهمية بمكان , نضرا لعدة اعتبارات منها قلة  الاختصاصات الاكاديمية التي تهيئ الباحث في بلاد العرب و الإسلام التعامل الدقيق مع المنظومة الاقتصادية التي شكلت تاريخ الإسلام على مدى قرون .  في حين يضل التاريخ السياسي التقليدي المجال الذي يحظى بعموم البحث على وجه الاجمال  .
و نتطرق ضمن مشروع المقالات العلمية هاته الى بعض هذه المواضيع محاولين فهم ما جرى في ضوء الحاضر و استشرافا للمستقبل في ضوء ما أتيح لنا الاطلاع عليه و الله الموفق لكل خير .

أجور الخلفاء الراشدين 11هجرية الى 41 هجرية .

مما تجدر الإشارة اليه و التنويه بقدره ان خلفاء صدر الإسلام كان لهم السبق و الريادة في بناء النموذج السياسي لامة الإسلام . و الحق انهم ابرزوا نضجا سياسيا مبكرا و سابقا لعصره دون ادنى مبالغة في الوصف في التعامل مع المال العام عموما سيرا على خطى نبي الإسلام.  
يبرز هذا النضج السياسي منذ الأيام الأولى للخلافة و ليس ادل على ذلك الحادثة المشهورة التي تناقلتها كتب المؤرخين و الاخباريين على السواء من منع كبار الصحابة لسيدنا ابي بكر ممارسة التجارة ابان توليه الخلافة . و هي حادثة يجدر بنا الوقوف عندها قليلا.
فبالعودة الى وقائع الحادثة يتبين لنا ان الرعيل الأول من كبار الصحابة كانو مدركين لمدى خطورة خلط السياسة بالتجارة ببصيرة تدعو الى الاعجاب .
 لذا عمدوا الى تخصيص راتب له كقائم بأمور المسلمين و كنوع من "حقوق الامام ...لأنه انقطع الى خدمة مصالح الامة فلا يتسع وقته للعمل الشخصي و للعمل العام في ان معا"[1] فجواب الخليفة للمعترضين على ذهابه للتجارة دل على إمكانية ان يكون لهذا الفعل سابقة و هو في منصب الخلافة ما يقودنا الى استنتاج اخر سبق وان ألمح اليه المؤرخ محمد عبد الحي شعبان من كون الخليفة أبا بكر نفسه  كان "خليفة لبعض وقته فقط في الاشهرالستة الأولى من استلام منصب الخلافة "[2] . هنا يمكننا ان نفهم المغزى من وراء الاجر لغرض التفرغ و الابتعاد عن مزاولة عمل اخر يلهي خليفة المسلمين عن الامر الأعظم وهو الخلافة .
الامر الذي سقط في مغبته كثير من خلفاء بني وامية وغيرهم الى زمان الناس هذا حيث الخلط الشنيع بين المال العام والخاص في الملكيات العربية على سبيل المثال...
لنعد الى صلب الموضوع. تطلعنا الروايات التاريخية المختلفة ان الرأي استقر على تخصيص أجرة عينية لسد حاجات الخليفة درءا له من العمل بالتكسب , تمثلت في ان " فرضو له كل يوم شطر شاة و ما كسوه في الرأس و البدن "[3]  
ينبغي و نحن نتعامل مع مسألة أجور هاته ان نضع بعين الاعتبار في حالة ابي بكر خلفيته الاجتماعية كتاجر ناجح في بيئته اذ كان يملك يوم أسلم "40000.00 درهم مدخرة من ربح تجارته و قد ربح الكثير من التجارة بعد اسلامه فلما هاجر الى المدينة ... لم يبقى معه له من مدخره سوى 5000.00 درهم ..لقد انفق ماله المدخر في افتداء الضعفاء .."[4] 
و مع ذلك كله لا نجده بعد الخلافة يتخذ من تاريخه النضالي مطية لأمور دنيوية بل على العكس تماما لا نلحظ على أبا بكر أي تحول أو ثراء مفاجئ أحدثه منصب الخلافة فسكناه ضلت على حالها " بالسنح على مقربة من المدينة ...و كان يمشي على قدميه من منزله بالسنح الى المدينة غدوا و رواحا "[5] .
و بالرغم من إشارة بعض المصادر الى ان راتب الخليفة أبا بكر قد بلغ 6000.00 درهم في السنة . الا ان ذات المصادر اشارت الى ان الخليفة أبا بكر لم يكن مقتنعا بأحقيته في اجرة لخدمة المسلمين لذلك استرسلت كثير من هذه المصادر[6]
 بالقول أن الخليفة طالب ان يرد مجموع ما اخذه كراتب طيلة ولايته الى بيت مال المسلمين و الذي بلغ كما رواه الطبري في تاريخه 8000.00 درهم أي ان الخليفة أبا بكر بكل المنجزات السياسية و الاقتصادية التي حققها طيلة ولايته التي بلغت ثلاث سنوات تقريبا (11ه – 13 ه) كلف بيت مال المسلمين 222.22 درهم شهريا على وجه التقريب.   




يتبع ...


[1] القاسمي .(ظافر) نظام الحكم في الشريعة و التاريخ الإسلامي . دار النفائس ص 356
[2] شعبان (محمد عبد الحي) صدر الإسلام و الدولة الاموية .الاهلية للنشر .بيروت 1987.ص 37

[3] الكتاني (عبد الحي) نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية الجزء الأول . الطبعة الثانية تحقيق د عبد الله الخالدي .دار الارقم ص113
[4] قطب (سيد) . العدالة الاجتماعية في الإسلام  .دار الشروق بيروت .الطبعة الثامنة 1984 ص150
[5] ن.م ص 156
[6] راجع ما نقله الطبري على لسان ابي بكر قوله "ردوا ما عندنا من مال المسلمين , فاني لا أصيب من هذا المال شيئا  " في كتابه تاريخ الأمم و الملوك لابي جعفر محمد بن جرير الطبري . المجلد الثاني. دار الكتب العلمية. بيروت 1995 بدون رقم الطبعة. الصفحة رقم 354